الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإن أتت بولد فادعى أنه من زوج قبله نظرنا فإن كانت تزوجت بعد انقضاء العدة, لم يلحق بالأول بحال وإن كان بعد أربع سنين منذ بانت من الأول لم يلحق به أيضا, وإن وضعته لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يلحق به وينتفي عنهما, وإن كان لأكثر من ستة أشهر فهو ولده وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني, ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولم يعلم انقضاء العدة عرض على القافة, ولحق بمن ألحقته به منهما فإن ألحقته بالأول انتفى عن الزوج بغير لعان, وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الأول ولحق الزوج وهل له نفيه باللعان؟ على روايتين. قال: [واللعان الذي يبرأ به من الحد أن يقول الزوج بمحضر من الحاكم: أشهد بالله لقد زنت ويشير إليها وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها حتى يكمل ذلك أربع مرات, ثم يوقف عند الخامسة ويقال له: اتق الله فإنها الموجبة, وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فإن أبى إلا أن يتم فليقل: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا وتقول هي: أشهد بالله لقد كذب أربع مرات, ثم توقف عند الخامسة وتخوف كما خوف الرجل فإن أبت إلا أن تتم, فلتقل: وغضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا] في هذه المسألة: مسألتان: المسألة: الأولى: أن اللعان لا يصح إلا بمحضر من الحاكم أو من يقوم مقامه وهذا مذهب الشافعي لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر هلال بن أمية أن يستدعي زوجته إليه ولاعن بينهما ولأنه إما يمين, وإما شهادة وأيهما كان فمن شرطه الحاكم وإن تراضى الزوجان بغير الحاكم يلاعن بينهما, لم يصح ذلك لأن اللعان مبني على التغليظ والتأكيد فلم يجز بغير الحاكم كالحد وسواء كان الزوجان حرين أو مملوكين, في ظاهر كلام الخرقي وقال أصحاب الشافعي: للسيد أن يلاعن بين عبده وأمته لأن له إقامة الحد عليهما ولنا أنه لعان بين زوجين فلم يجز لغير الحاكم أو نائبه كاللعان بين الحرين ولا نسلم أن السيد يملك إقامة الحد على أمته المزوجة, ثم لا يشبه اللعان الحد لأن الحد زجر وتأديب واللعان إما شهادة وإما يمين فافترقا, ولأن اللعان دارئ للحد وموجب له فجرى مجرى إقامة البينة على الزنا والحكم به أو بنفيه وإن كانت المرأة خفرة لا تبرز لحوائجها, بعث الحاكم نائبه وبعث معه عدولا ليلاعنوا بينهما, وإن بعث نائبه وحده جاز لأن الجمع غير واجب. ويستحب أن يكون اللعان بمحضر جماعة من المسلمين لأن ابن عباس وابن عمر وسهل بن سعد حضروه مع حداثة أسنانهم فدل ذلك على أنه حضره جمع كثير لأن الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعا للرجال, ولأن اللعان بني على التغليظ مبالغة في الردع به والزجر وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك ويستحب أن لا ينقصوا عن أربعة, لأن بينة الزنا الذي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة وليس شيء من هذا واجبا ويستحب أن يتلاعنا قياما, فيبدأ الزوج فيلتعن وهو قائم فإذا فرغ قامت المرأة فالتعنت وهي قائمة لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لهلال بن أمية: (قم فاشهد أربع شهادات) ولأنه إذا قام شاهده الناس فكان أبلغ في شهرته, فاستحب كثرة الجمع وليس ذلك واجبا وبهذا كله قال أبو حنيفة والشافعي ولا أعلم فيه مخالفا. قال القاضي: ولا يستحب التغليظ في اللعان بمكان, ولا زمان وبهذا قال أبو حنيفة لأن الله تعالى أطلق الأمر بذلك ولم يقيده بزمان ولا مكان فلا يجوز تقييده إلا بدليل, ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرجل بإحضار امرأته ولم يخصه بزمن ولو خصه بذلك لنقل ولم يهمل وقال أبو الخطاب يستحب أن يتلاعنا في الأزمان والأماكن التي تعظم وهذا مذهب الشافعي, إلا أن عنده في التغليظ بالمكان قولين: أحدهما أن التغليظ به مستحب كالزمان والثاني أنه واجب لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لاعن عند المنبر, فكان فعله بيانا للعان ومعنى التغليظ بالمكان أنهما إذا كانا بمكة لاعن بينهما بين الركن والمقام فإنه أشرف البقاع, وإن كان في المدينة فعند منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها وأما الزمان فبعد العصر لقول الله تعالى: في ألفاظ اللعان وصفته أما ألفاظه فهي خمسة في حق كل واحد منهما وصفته أن الإمام يبدأ بالزوج, فيقيمه له: ويقول له: قل أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا ويشير إليها إن كانت حاضرة ولا يحتاج مع الحضور والإشارة إلى نسبه وتسميته, كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود وإن كانت غائبة أسماها ونسبها فقال: امرأتي فلانة بنت فلان ويرفع في نسبها حتى ينفي المشاركة بينها وبين غيرها فإذا شهد أربع مرات, وقفه الحاكم وقال له: اتق الله فإنها الموجبة, وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وكل شيء أهون من لعنة الله ويأمر رجلا فيضع يده على فيه حتى لا يبادر بالخامسة قبل الموعظة, ثم يأمر الرجل فيرسل يده عن فيه فإن رآه يمضي في ذلك, قال له: قل: وإن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به زوجتي هذه من الزنا ثم يأمر المرأة بالقيام ويقول لها قولي: أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه وإن كان غائبا أسمته ونسبته, فإذا كررت ذلك أربع مرات وقفها ووعظها كما ذكرنا في حق الزوج, ويأمر امرأة فتضع يدها على فيها فإن رآها تمضي على ذلك قال لها: قولي: وإن غضب الله علي إن كان زوجي هذا من الصادقين فيما رماني به من الزنا قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: كيف يلاعن؟ قال: على ما في كتاب الله تعالى, يقول أربع مرات: أشهد بالله إني فيما رميتها به لمن الصادقين ثم يوقف عند الخامسة فيقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين والمرأة مثل ذلك توقف عند الخامسة, فيقال لها اتق الله فإنها الموجبة توجب عليك العذاب فإن حلفت, قالت: غضب الله عليها إن كان من الصادقين وعدد هذه الألفاظ الخمسة شرط في اللعان فإن أخل بواحدة منها لم يصح على ما ذكرناه فيما مضى, وإن أبدل لفظا منها فظاهر كلام الخرقي أنه يجوز أن يبدل قوله: إني لمن الصادقين بقوله: لقد زنت لأن معناهما واحد ويجوز لها إبدال: إنه لمن الكاذبين بقولها: لقد كذب لأنه ذكر صفة اللعان كذلك واتباع لفظ النص أولى وأحسن وإن أبدل لفظة: ( أشهد ) بلفظ من ألفاظ اليمين, فقال: أحلف أو أقسم أو أولى لم يعتد به وقال أبو الخطاب: فيه وجه آخر أنه يعتد به لأنه أتى بالمعنى فأشبه ما لو أبدل: إني لمن الصادقين بقوله: لقد زنت وللشافعي وجهان في هذا والصحيح أنه لا يصح لأن ما اعتبر فيه لفظ الشهادة, لم يقم غيره مقامه كالشهادات في الحقوق ولأن اللعان يقصد فيه التغليظ, واعتبار لفظ الشهادات أبلغ في التغليظ فلم يجز تركه ولهذا لم يجز أن يقسم بالله من غير كلمة تقوم مقام أشهد والثاني, يعتد به لأنه أتى بالمعنى أشبه ما قبله وللشافعي وجهان كهذين وإن أبدل لفظة اللعنة بالإبعاد لم يجز لأن لفظ اللعنة أبلغ في الزجر وأشد في أنفس الناس, ولأنه عدل عن المنصوص وقيل: يجوز لأن معناهما واحد وإن أبدلت المرأة لفظة الغضب باللعنة لم يجز لأن الغضب أغلظ ولهذا خصت المرأة به لأن المعرة بزناها أقبح, وإثمها بفعل الزنا أعظم من إثمه بالقذف وإن أبدلتها بالسخط خرج على وجهين فيما إذا أبدل الرجل لفظ اللعنة بالإبعاد وإن أبدل الرجل لفظة اللعنة بالغضب احتمل أن يجوز لأنه أبلغ واحتمل أن لا يجوز لمخالفته المنصوص قال الوزير يحيى بن محمد بن هبيرة -رحمه الله تعالى -: من الفقهاء من اشترط أن يزاد بعد قوله: من الصادقين: فيما رميتها به من الزنا واشترط في نفيها عن نفسها: فيما رماني به من الزنى ولا أراه يحتاج إليه لأن الله سبحانه أنزل ذلك وبينه, ولم يذكر هذا الاشتراط وأما موعظة الإمام لهما بعد الرابعة وقبل الخامسة فهي مستحبة في قول أكثر أهل العلم لما روى ابن عباس قال: لما كانت الخامسة قيل: يا هلال اتق الله, فإنها الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد الخامسة فلما كانت الخامسة قيل لها: اتق الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وروى أبو إسحاق الجوزجاني, بإسناده حديث المتلاعنين قال: (فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه وقال: ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله ثم أرسل فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعاها, فقرأ عليها فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ثم أمر بها فأمسك على فيها, وقال: ويحك كل شيء أهون عليك من عذاب الله) وذكر الحديث.
|